ملف الاقتصاد التركي: أبرز اتجاهاته ومدى نفوذه

August 17, 2020by Nashwa Shaban0

تعد السياسات التركية الخارجية وعلاقتها الدولية في الوقت الراهن من أهم محركات عدد من القضايا الحاسمة بالنسبة للوطن العربي والشرق الأوسط. يأتي هذا حيث تعددت الجبهات والتدخلات التركية في المنطقة والمدفوعة بأجندات سياسية داخلية وأطماع اقتصادية على حد سواء.  فكيف يتشكل اقتصاد تركيا ويتأثر بتحركاتها الراهنة؟ وما هي أبرز نقاط القوة والضعف التي تشكل مدى نفوذ البلد الاقتصادي؟

وضع الاقتصاد التركي الداخلي وأزمة العملة:

تحتل تركيا المرتبة ال19 في قائمة أكبر الاقتصادات في العالم باقتصادها البالغ 766.43 مليار دولار في2019. وباستثناء السعودية والتي تتقدم على تركيا لتحتل المركز ال 18 مدفوعة بالاقتصاد النفطي للمملكة، لا تشارك أيا من بلاد المنطقة العربية والشرق الأوسط على قائمة أكبر 20 اقتصاد في العالم.

وفقًا لصندوق النقد الدولي، يتم تصنيف تركيا على أنها اقتصاد سوق ناشئ وتتبع تركيا اقتصاد السوق الحر والاقتصاد المتنوع إلى حد كبير في تركيا مدفوع بقطاعي الصناعة والخدمات، لكن الزراعة التقليدية لا تزال تمثل حوالي 25% من العمالة. كما تشمل بعض الصناعات الرائدة في تركيا: الزراعة والمنسوجات والتصنيع والخدمات.

شهد الاقتصاد التركي نمو ملحوظ من عام 2010 إلى عام 2018، حيث كان متوسط معدل نمو تركيا أكثر من 5٪ بفضل طفرة البناء المدفوعة برأس المال الرخيص (ائتمان بسعر فائدة منخفض أو تحديد أسعار فائدة منخفضة من قبل البنك المركزي) في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وعلى الرغم من أن الاقتصاد أظهر نمو ومرونة في الماضي، إلا أن عدم الاستقرار السياسي الذي خلقه نظام أردوغان أعاق الإصلاحات المطلوبة وأدت الى أزمة العملة والركود الاقتصادي. في 2018 اندلعت أزمة العملة بسبب مخاوف بشأن استقلال البنك المركزي والتوترات بين أنقرة وواشنطن. وقد أدى ذلك إلى ثلاثة أرباع متتالية من الانكماش الاقتصادي ومعدل نمو سنوي متواضع بنسبة 0.9٪ العام الماضي2019.

 ومع توالي أزمة كورونا، أصبح الوضع أسوأ.

أدى الإغلاق بسبب فيروس كورونا إلى تآكل مشتريات الاتحاد الأوروبي من السيارات والمنسوجات من تركيا، وقضى على معظم عائدات النقد الأجنبي للبلاد من السياحة مما أدى إلى إحداث فجوة كبيرة في الموارد المالية للبلاد. ترك هذا تركيا في وضع من سيء الى أسوأ حيث أنه على مدى الأشهر الـ 12 الماضية هرب المستثمرون الأجانب، وسحبوا الأموال من السندات والأسهم بالعملة المحلية للبلاد

في مواجهة تلك التدفقات الخارجة بسبب كورونا وضعف ثقة المستثمرين، استنزفت تركيا عشرات المليارات من الدولارات من الاحتياطي هذا العام في محاولة للحفاظ على سعر الصرف عن طريق ربط العملة غير الرسمي – وهي خطوة تمثل تعارض مع سياسة عقدين من السماح بالتعويم الحر. ولكن في إشارة إلى تعثر تلك الجهود، اندفعت الليرة نحو مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار حتى مع إنفاق السلطات المليارات في محاولة للدفاع عنها. يقدر بنك جولدمان ساكس أنه في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، أنفق البنك المركزي التركي على دعم عملته أكثر مما أنفقه خلال عام 2019 بأكمله، حيث تم استخدام 65 مليار دولار من الاحتياطيات مقارنة بـ 40 مليار دولار العام الماضي. أدى ذلك إلى إبقاء السعر الرئيسي مقابل الدولار تحت السيطرة لبعض الوقت، لكن في السادس من أغسطس، استسلم البنك وسمح بتعويم مؤقت لليرة. غرقت على الفور وانخفضت العملة بأكثر من 3٪ خلال اليوم، لتصل إلى مستوى قياسي منخفض.

 

أدت هذه التدخلات لدعم الليرة إلى استنزاف احتياطيات تركيا المنخفضة بالفعل وانخفض إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي بمقدار 13 مليار دولار حتى الآن هذا العام إلى 93 مليار دولار. ويتضمن هذا الرقم الإجمالي حوالي 50 مليار دولار من النقد المقترض، ما يزيد قليلاً عن نصف التزامات الديون الخارجية للبلاد التي سيتم تجديدها في الأشهر الـ 12 المقبلة. وللمواصلة في دعم العملة، اعتمد البنك المركزي على آلية مفصلة تقترض من 230 مليار دولار من مدخرات العملة الأجنبية التي يحتفظ بها المواطنون الأتراك في بنوك الدولة. ونتيجة لذلك، فإن صافي الاحتياطيات – وهو رقم يوضح مقدار النقد الذي اقترضه البنك المركزي ذات مرة والأموال المملوكة لمؤسسات أخرى – أصبح الآن في منطقة سلبية. تعاني تركيا نقص في الدولار والنقص يصبح مشكلة إذا طلبت البنوك دولاراتها للوفاء بالتزاماتها. وما يضاعف الأزمة، التدخل السياسي في قرارات البنك المركزي حيث أنه الحل التقليدي هو رفع أسعار الفائدة لكن أردوغان – الذي وصف ذات مرة سعر الفائدة العالي بأنه “أم وأب كل الشرور” – قد يكون مترددًا في السير في هذا الطريق، كما كان في الماضي. منذ العام الماضي، كان قد خفض البنك المركزي أسعار الفائدة إلى 8.25٪ من 24٪ ، في البداية لإخراج الاقتصاد من الركود ولاحقًا لمواجهة تأثير جائحة فيروس كورونا.

وعلى الرغم من أن الليرة التركية سجلت مستوى قياسيًا منخفضًا مقابل الدولار واليورو، إلا أن أنقرة قاومت حتى الآن طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي (IMF). وبدلاً من ذلك، تأمل في النجاة من أزمة ميزان المدفوعات التي تلوح في الأفق دون أي دعم خارجي يتجاوز صفقة مبادلة ممتدة مع حليفتها الإقليمية قطر. ففي مايو هذا العام قال البنك المركزي التركي إن تركيا حصلت على 15 مليار دولار في اتفاق مبادلة العملات مع قطر، مما يوفر بعض التمويل الأجنبي الذي تشتد الحاجة إليه لتعزيز احتياطاتها المستنفدة والمساعدة في استقرار الليرة التركية. كما ناشد مسؤولون من وزارة الخزانة والبنك المركزي في تركيا نظرائهم في قطر والصين بشأن توسيع خطوط المقايضة الحالية، وإلى المملكة المتحدة واليابان بشأن إمكانية إنشائها.

التجارة الخارجية:

الصادرات التركية متنوعة بشكل جيد، بدءًا من الموارد الطبيعية والمنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة مثل المعادن والأحجار الكريمة والطاقة والملابس والمواد الغذائية، إلى السلع ذات القيمة الأعلى بما في ذلك المركبات والآلات.

في عام 2018 أهم صادرات تركيا هي السيارات (12.9 مليار دولار) ، وشاحنات التسليم (5.38 مليار دولار) ، وقطع غيار المركبات (4.63 مليار دولار) ، والمجوهرات (4.29 مليار دولار) ، والبترول الخام (3.65 مليار دولار). أهم واردات تركيا هي البترول المكرر (12.4 مليار دولار) ، والذهب (11.3 مليار دولار) ، وخردة الحديد (6.47 مليار دولار) ، وقطع غيار السيارات (6.45 مليار دولار) ، والسيارات (6.11 مليار دولار).

بالنسبة لوجهات الصادرات تصدر تركيا إلى ألمانيا (16.6 مليار دولار) والمملكة المتحدة (11.9 مليار دولار) وإيطاليا (10.1 مليار دولار) والولايات المتحدة (8.57 مليار دولار) والعراق (8.35 مليار دولار)

 والواردات  من ألمانيا (22.1 مليار دولار) والصين (19.2 مليار دولار) وروسيا (15.9 مليار دولار) والولايات المتحدة (10.6 مليار دولار) وإيطاليا (10.4 مليار دولار).

من هنا يمكن تدارك أهمية الاتحاد الأوروبي بالنسبة للسوق التركية حيث أن في أن أسواق التصدير الرئيسية لتركيا 2019 هي الاتحاد الأوروبي (42.4٪) والمملكة المتحدة والعراق والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. تأتي الواردات إلى تركيا من الأسواق الرئيسية التالية: الاتحاد الأوروبي (32.3٪) وروسيا والصين والولايات المتحدة والهند

على صعيد آخر، تأتي تركيا في المراتب الأولي من الموردين لدى دول المنطقة العربية والشرق الأوسط الأمر الذي يجعل المنطقة كتلة مؤثرة في الاقتصاد التركي.

 

علاقات تركيا الاقتصادية الدولية:

تتسم العلاقات الاقتصادية الدولية لتركيا في معظم الأحيان في الوقت الراهن بتهديدات عقوبات تلوح في الأفق لأسباب مختلفة. بداية من 2018، فرضت إدارة ترامب في مارس تعريفة جمركية بنسبة 25٪ و 10٪ على واردات الصلب والألمنيوم، من معظم الشركاء التجاريين، بما في ذلك تركيا. وفي يونيو، ردت تركيا بفرض رسوم جمركية على سلع أمريكية بقيمة 1.8 مليار دولار بما في ذلك الفحم والورق.

ثم تصاعدت التوترات الأمريكية- التركية في 2018 بسبب رفض تركيا مطالب إطلاق سراح القس الأمريكي المحتجز لديها أندرو برانسون المتهم بدعم محاولة انقلاب ضد أردوغان. الأمر الذي أدى تهديدات بفرض الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من كبار المسؤولين في حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لكن انتهت الأزمة بإطلاق سراح القس أندرو برانسون في أكتوبر 2018.

 كما ازدادت حدة التوترات في المجال العسكري في 2019 بعد صفقة لتركيا مع روسيا لنظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400 الأمر الذي أدى الى أن أزالت الولايات المتحدة تركيا من برنامج مقاتلة الضربة المشتركة F-35. وفي 2019، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية، عقوبات مالية على ثلاثة مسؤولين أتراك بالإضافة إلى وزارتي الطاقة والدفاع، بأمر تنفيذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يهدف للضغط على أنقرة لإيقاف عمليتها العسكرية شمال شرق سوريا كما أعلن ترامب في أكتوبر 2019 زيادة الرسوم على واردات الصلب التركية بنسبة 50 في المائة، ووقف المفاوضات بشأن اتفاق تجاري مع أنقرة.

 تمددت تهديدات العقوبات مع تزايد التدخلات التركية التي من شأنها زعزعة الاستقرار في المنطقة في 2020. فقد أصدر قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا تحذيراً لأنقرة بشأن دعمها العسكري لحكومة السراج في ليبيا. وجاء في بيان مشترك “نحن على استعداد للنظر في إمكانية استخدام العقوبات إذا استمرت انتهاكات حظر [الأسلحة الليبية للأمم المتحدة] في البحر أو البر أو الجو”. كما دعت اليونان الاتحاد الأوروبي أن يعد عقوبات اقتصادية “معوقة” ضد تركيا، إذا استمرت في أنشطة التنقيب غير القانونية المخطط لها قبالة الجزر اليونانية. وقرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في يوليو استكشاف سبل تخفيف التوترات مع تركيا في البحر المتوسط، محذرين في الوقت نفسه من أن أوروبا لن تتردد في اختيار خيار العقوبات إذا تدهور الوضع.

مدى نفوذ تركيا الاقتصادي:

بالرغم من حجم الاقتصاد التركي وتنوعه والنمو الذي شهده طوال السنوات الماضية، فتقف الآن تركيا في موقع شديد الحساسية يتسم بسياسات نقدية غير أرثوذكسية وغير مستدامة مبنية على دوافع سياسية، في وقت فيصل يتم فيه اختبار صمود الاقتصادات العالمية بسبب تأثير جائحة كورونا. على الصعيد الداخلي تعاني البلاد من عملة غير مستقرة مدعومة باحتياطات أجنبية متآكلة، ونمو ضعيف (0.9 % 2019 ومن المتوقع انكماش بنسبة4.3%) ومعدل بطالة مرتفع (13.6%)، وتضخم هائل بـ10.9%). وهروب المستثمرين الأجانب بجانب آثار الجائحة على القطاعات.

تتزامن هذه الضغوطات مع تهديدات بعقوبات قد تدفع تركيا للانهيار التام ما اذا تلقت دعم يكفي لمرور الأزمة، أو شرعت في تغيير سياساتها الاقتصادية. ليس هناك من اقتراع مرتقب في تركيا قبل عام 2023 لكن شعبية أردوغان تتدهور وسيصبح من المستحيل تجاهل الدعوات لانتخابات مبكرة في حالة انهيار الاقتصاد.

by Nashwa Shaban

Nashwa Shaban is a Senior Economic Analyst at Synerjies. She is a Public Policy enthusiast with strong passion for Economic & Sustainable Development. Prior to her work at Synerjies she worked for several international and local development organizations. She graduated with high honors from the American University in Cairo with a degree in Economics and a dual minor in Political Economy and Anthropology.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

About Synerjies

Synerjies Center for International & Strategic Studies is a trailblazing corporate think tank in the Middle East & Africa region, uniquely blending private initiative for public good. We specialize in guiding decision-makers across governments, international bodies, and corporations through the complexities of today’s rapidly evolving geopolitical and economic landscapes.

Follow Us
AVANTAGEHeadquarters
Organically grow the holistic world view of disruptive innovation via empowerment.
OUR LOCATIONSWhere to find us?
https://synerjies.com/wp-content/uploads/2019/04/img-footer-map.png
GET IN TOUCHAvantage Social links
Taking seamless key performance indicators offline to maximise the long tail.

Copyright by Synerjies. All rights reserved.