اتفاق القاهرة 2020: خطوة لمواجهة تهديدات تركيا العسكرية في المنطقة العربية

June 6, 2020by Ohoud Wafi0

بدأ الصراع التركي العربي يشهد انجرافاً حاداً مع نهاية عام 2019، بإعلان كل من الحكومة الوطنية الليبية وتركيا على تدخل الأخيرة عسكرياً في الساحة الليبية، لتتفاقم تداعيات العلاقات التركية العربية وآثارها على منطقة الشرق الأوسط. وشهدت كل من المنطقة العربية (وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر)، ومنطقة شرق المتوسط (وعلى رأسها اليونان) تهديدات عسكرية من تركيا وتطور واضح لمطامعها الجيوسياسية بشكل لم تشهده المنطقة من قبل، ليصبح تهديد الاختراق الأمني والعسكري للمنطقة أشد خطورة وأكثر وضوحاً. حيث بدأ التهديد المباشر بعد الإعلان عن الشراكة العسكرية الرسمية بين تركيا والحكومة الوطنية بليبيا، واستنجاد الأخيرة بالأولى للتدخل العسكري الواضح. كما تجلى الصراع على سيادة العالم الإسلامي بين تركيا والمملكة العربية السعودية. وحينها، تباينت مواقف الدول؛ حيث ظهر دعم بعض الدول والتحالفات للتحركات التركية، كما شكل البعض الآخر تهديداً بسبب هذا التحرك. ومع تذبذب الأوضاع الأمنية عالمياً الآن على إثر جائحة كوفيد-19، ظهرت أولويات بعض الدول في المنطقة تجاه بعض القضايا الجدلية.  

1. إعلان القاهرة 6 يونيو 2020

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم (السبت 6 يونيو 2020) عن مبادرة تهدف إلى حل الأزمة الليبية باسم “إعلان القاهرة”، مع تأكيده على تحذير كافة الأطراف من التمسك بالخيار العسكري لحل الأزمة في ليبيا. وتم الإعلان عن المبادة من خلال مؤتمر صحفي بالقصر الرئاسي في القاهرة للرئيس المصري مع قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، ورئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح. وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي إن استقرار ليبيا يعد من محددات الأمن القومي المصري، وأن مصر لم ولن تتهاون مع الجماعات الإرهابية. وسرعان ما بادرت كل من الإمارات والسعودية والأردن وروسيا وامريكا والبحرين بالإعلان عن تأييدهم لمبادرة الرئيس السيسي وللجهود المصرية الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا. وخلال المؤتمر انتشرت الأخبار حول قصف وادي بي جنوب شرق مدينة سرت، مما قد يعتبر رفض بعض الأطراف للمبادرة بشكل صريح.  والجدير بالذكر إن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد شارك الشهر الماضي (19 مايو 2020) في اجتماع مجموعة الاتصال الأفريقية حول ليبيا والذي عُقِد على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وأكد فيه على موقف مصر الثابت من الأزمة الليبية بالتوصل لحل سياسي، والحفاظ على سيادة ليبيا وأمنها ووحدة أراضيها، والدعم الكامل لإرادة الشعب الليبي واختياراته، ورفض التدخلات الخارجية في الشئون الداخلية الليبية.

وبعد إصدار “إعلان القاهرة” والإعلان عن بنوده، قام المتحدث الرسمي باسم حكومة الوفاق الليبية بالإعلان عن رفض المبادرة تحديد زمن انتهاء النزاع المسلح. وقد شهد الشهر الماضي شن الجيش الليبي هجمات على تشكيلات الوفاق غرب سرت المعتمدة على غطاء جوي تركي. في الوقت الذي قصف فيه الطيران التركي المسيّر مجموعة من السيارات لأسر نازحة من مدينة ترهونة، جنوب مدينة سرت، هذا بالإضافة لإعلان أعلنت قوات الوفاق تمكن طائراتها من تنفيذ 5 ضربات جنوب سرت استهدفت آليات للجيش الوطني الليبي، ودخول مدينة بني وليد شمال غربي البلاد والتقدم باتجاه مطارها بعد غارات جوية، ومدينة ترهونة، آخر معقل رئيسي للجيش الوطني الليبي قرب طرابلس. كما يٌذكر أنه في نهاية مايو الماضي، كانت قد غادرت قوات فاغنر (الروسية) جنوب طرابلس نحو مدينة بني وليد والجنوب الليبي، في لحظة إعادة تمركز، مما يضع علامات استفهام حول موقف روسيا من تركيا، وإذا كانت قد هذه الخطوة تم تنفيذها بناءً على خطة مشتركة بين كلا الطرفين.

وتضمن إعلان القاهرة 10 بنود أساسية وهي:

  •  التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن والتزام كافة الأطراف بوقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو الجاري.
  • ارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين والتي نتج عنها حل سياسي شامل يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية) واحترام حقوق الإنسان واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
  •  استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.
  •  العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.
  •  إعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية ودعم المؤسسة العسكرية، مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية واستعادة الأمن في المجال البحري والجوي والبري.
  •  قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاث بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم بجانب شيوخ القبائل والأعيان ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب والنخب السياسية من المثقفين والنقابات بحيث تجتمع اللجان الثلاث تحت رعاية الأمم المتحدة ويتم التوافق عليها ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالانتخاب وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يوم.
  •  قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي ونائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي تمهيداً لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.
  •  يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة فيتم اتخاذ القرارات أو البث في المقترحات التي يقدمها القائد العام للجيش في هذه الحالة بالإجماع وبحضور القائد العام.
  • حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارة طبقاً لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، مجلس الوزراء) بحيث يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات وإقليم فزان على 5 وزارات على أن يتم تقسيم الستة الوزارات السيادية على الأقاليم الثلاث بشكل متساوي وزارتين لكل إقليم مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.
  •  قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.
  •  على المجتمع الدولي إخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية.

2. التهديدات التركية في المنطقة العربية

عودةً لعام 2019، كانت تركيا قد اتخذت موقفاً عدائياً واضحاً خاصة تجاه كل من المملكة العربية السعودية ومصر مرتبط بأجندة تركيا الخاصة الاستعمارية ورغبتها الخفية في إعادة رسم خريطة المنطقة ورغبة رجب طيب أردوغان في تأسيس دولة عثمانية جديدة. ويفسر بعض المحللين ذلك بأن تركيا ترى في السعودية منافساً لها على زعامة العالم الإسلامي. أما مصر فكانت بالنسبة لتركيا المنافس الأساسي في الشرق الاوسط باعتبارها البوابة الجيوسياسية للمنطقة من جانب وبوابة غاز شرق البحر المتوسط من جانب آخر. حيث أصبحت تركيا تشكل تهديداً حقيقياً لأمن واستقرار المنطقة العربية والخليج، وتعكس دبلوماسيتها غير المباشرة وخطواتها في المنطقة أهدافها الجيوسياسية الحقيقية، وإصرارها على الدخول في حروب غير مباشرة (حروب بالوكالة) مع العرب. لذلك وجهت العديد من التقارير الدولية والعربية المنشورة أوجه الاتهام لها بسبب دعمها غير المُعلن لكل من: الحوثيين في اليمن والعراق، والحكومة الوطنية في ليبيا، والجماعات الإرهابية في سوريا، ومناصرتها لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.  

وفي غضون الفترة الماضية، وعلى الأخص عام 2019، اتبعت تركيا سياسة أكثر وضوحاً في التعبير عن رغبتها في معادية معظم الدول العربية مع زيادة تقربها لقطر وإيران وروسيا وذلك رغم تصريحاتها الداعمة لعدم انفصال الدول التي تشوبها التذبذبات وحروب داخلية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.  

ونتج عن ذلك بداية التهديدات العسكرية الصريحة التي توجهها تركيا للدول العربية، والتي قد تُعرض نظام أردوغان للضغط الشعبي من الداخل خاصة بعد تدهور الاقتصاد التركي في 2019 في حال لم تحقق أي عائد اقتصادي لتركيا. وقد أشارت الاحصائيات إلى فقدان العملة التركية 30% من قيمتها مقارنة بالدولار الدولار الأمريكي، كما انكمش الاقتصاد بنسبة 2.6% في الربع الأول من عام 2019، وذلك في أعقاب انكماش بنسبة 3% في الربع الأخير من عام 2018. وبلغ معدل التضخم أعلى مستوى خلال 15 عامًا وارتفع معدل البطالة إلى 14.7%. لذلك من الممكن قراءة هذه السياسات كسعي من أردوغان لإثارة حرب في ليبيا لكي يستعيد حشد الرأي العام الداخلي مرة أخرى في صفه، خاصة في حال ترويجه لسبب هذه الحرب من خلال العائد المرجو في الحصول على الحصة الأكبر من نفط شرق المتوسط.  

في الوقت ذاته، وصل سباق التسلح لذروته، وساهمت كل من فرنسا والمملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في تسليح مثلث القوة العربي الحالي (مصر والإمارات والسعودية) من خلال تصدير الأسلحة أو دعم فرنسا لصناعات مصر العسكرية. وواجه هذا التطور مخاوف أمريكية ترتبط بالتهديد المحتمل على إسرائيل في حال تطوير العرب وخاصة مصر لقدرات قواتها الجوية والبحرية.

وقامت عملية اغتيال قاسم سليماني القائد العسكري الإيراني في يناير 2020 بتشتيت الدعم الإيراني المتوقع لتركيا في ليبيا في الأيام الماضية، والذي جاء بعد إبرام اتفاقين بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، الأول اتفاق بحري يهدد الموارد النفطية لدول شرق المتوسط: قبرص واليونان ومصر وإسرائيل، كما يهدد أمنهم القومي. في حين كان الاتفاق الثاني عسكري، حيث يسمح لتركيا بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لمواجهة المشير خليفة حفتر. تفاقمت الأحداث على الساحة الدولية، حيث جذبت عملية الاغتيال انتباه المجتمع الدولي. إلا إنه زاد الاحتقان الإيراني الأمريكي بتوعد كل منهم للآخر بضرب أهداف استراتيجية وثقافية. 

3. تحالفات ودول متضررة من التحركات العسكرية والجيوسياسية التركية في 2019

  • ليبيا: الجيش الوطني الليبي

أعلن الجيش الوطني الليبي سيطرته على كامل طريق المطار بالعاصمة طرابلس في الـ 27من ديسمبر 2019، وذلك بعد ساعات من طلب حكومة فايز السراج رسمياً من تركيا الحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لمواجهة الجيش. جاء هذا الرد السريع بعد زيادة وتيرة التهديدات التركية المباشرة في منطقة شرق البحر المتوسط بعد أن صرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية إن تركيا بصدد تقنين استخدامها للقوة العسكرية في ليبيا في إطار الاتفاق التركي الليبي بشأن تفعيل مذكرة التفاهم للتعاون العسكري والبحري التي وقعتها تركيا مع فايز السراج. كما قام البرلمان التركي بالتصديق على مذكرة تفاهم للتعاون العسكري مع طرابلس في الأسبوع الثاني من ديسمبر 2019. وتدعي تركيا أن الهدف من هذه الخطوات هو سعيها للحفاظ على مصالحها الخارجية وأمنها القومي. 

وفي 23 ديسمبر، أعلن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، رصد طائرة من طراز “بوينغ 747-412” تقوم بنقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى غرب ليبيا حيث مطار مصراته، الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام العربية وعلى وجه الأخص السعودية والمصرية.  كانت العلاقات بين كل من الحكومة الوطنية الليبية وتركيا قد وصلت لذروتها في 2019، حيث بدأت تركيا بإمداد الأولى بالمعدات العسكرية والمستشارين والمتخصصين لدعم الجيش الوطني والميليشيات التي تقاتل الجيش الوطني الليبي وخليفة حفتر. واستغلت تركيا هذا التقارب البحري لكي تعزز من مطالبها الجيوسياسية في غرب شرق البحر الأبيض المتوسط حيث جزيرة كريت اليونانية.

  • تحالف دول الخليج ومصر والأردن

وقفت كل من دول الخليج ومصر والأردن سوياً في حرب اليمن قبل 2019، إلا أنه مع تطور الأوضاع السياسية في معظم البلدان العربية، تراجع الدور الخليجي-العربي، لتظل السعودية هي صاحبة الدور الأبرز في اليمن. وظل دور تركيا الرسمي مناصر للدول العربية ولأهمية توحيد اليمن. إلا إن الدور غير الرسمي ظل قيد التكهنات الدولية، مع ترجيحه دعم نظام أردوغان للميليشيات الحوثية باليمن، وظهر ذلك من خلال إعلان الصحف الرسمية التركية بعد الاعتداءات الحوثية إن التعرض للشعب اليمني قد يؤدي إلى مزيد من الضربات الجوية ضدها، مما قد يتم تفسيره على كونه لهجة تهديدية للمملكة في حال استمرار تواجدها في اليمن.

كما تعتبر ليبيا من أهم المناطق التي تشهد الحرب بالوكالة بين السعودية ومصر من جانب وتركيا من جانب آخر، حيث تدعم تركيا جانبًا في الحرب الأهلية المستمرة؛ بينما تدعم السعودية والإمارات ومصر خليفة حفتر والجيش. ورغم تركيز المملكة العربية السعودية في اليمن، إلا إنها تدعم الدور المصري الإماراتي في ليبيا، لذلك استقبل الملك سلمان شخصياً المشير حفتر في مارس 2019، كما أدانت المملكة الموقف التركي في ليبيا. وأعلنت السعودية بالفعل في الـ4 من يناير الماضي، عن رفضها وإدانتها للتصعيد التركي الأخير في الشأن الليبي، ونددت بموافقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، مع تأكيدها أنها تعتبر ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن ومخالفاً للموقف العربي. ولكن مع تصعيد التوتر في إيران والعراق نتيجة قتل سليماني، فقد كان من الجلي إن المملكة تفضل تركيز جهودها السياسية والدفاعية للاستعداد لأي رد فعل إيراني، حيث من المتوقع أن تصعد إيران من وتيرة العنف في المنطقة في المستقبل القريب وقد تختار مرة أخرى الهجوم على الأراضي أو المنشآت السعودية. 

وفي ذات الوقت كانت مصر قد بدأت في إظهار قدراتها على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي، حيث صرح المتحدث باسم الجيش المصري العقيد تامر الرفاعي في بيان في نفس اليوم (4 يناير 2020) عن إجراء الجيش المصري لعملية برمائية بإحدى مناطق البحر المتوسط في إطار تنفيذ الأنشطة التدريبية للقوات المسلحة، وذلك بحضور رئيس الأركان الفريق محمد فريد، وقائد القوات البحرية الفريق أحمد خالد، حيث شارك في العملية البرمائية للجيش المصري وحدات لمكافحة الغواصات والقوات الخاصة البحرية، وذلك مع اشتراك القوات الجوية بهليكوبتر “كاموف” الروسية، وأباتشي وإف 16 أمريكية. بجانب عناصر الدفاع الجوي ومجموعات من قوات المظلات والصاعقة، فضلاً عن مجموعة قتالية خاصة من قوات المنطقة الشمالية العسكرية المصرية. كما أعلنت الرئاسة المصرية عن قيام مجلس الأمن القومي بالإعلان عن عدة إجراءات لمواجهة التهديدات الأمنية الناتجة عن التدخل العسكري في ليبيا. كما أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بياناً تتضامن فيه مع الشعب الليبي وتدعوه لعدم الانجراف وراء التدخل الخارجي والتصعيد التركي، وتدعم الموقف السياسي المصري للحفاظ على أمن وسلامة المنطقة بأكملها. في هذه الحالة يبدأ الفنانين المصريين والسعوديين والعرب بإظهار الاصطفاف الشعبي العربي ودعم الجيش والقيادة السياسية فيما يخص الملف الليبي والتدخل التركي، وذلك من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. 

  • التحالف المصري اليوناني القبرصي الفرنسي

يجمع كل من مصر واليونان وقبرص وفرنسا تحالف لمواجهة تركيا، ويأتي ذلك من خلال دعم كل من مصر وفرنسا للمشير حفتر ولموقفه في ليبيا. وظهر ذلك من خلال التعاون مع حفتر بشتى الطرق. وعليه، تم الإعلان عن انعقاد قمة في أول أسبوع من يناير بالقاهرة ومن المحتمل مناقشة توابع التطورات التركية الليبية على منطقة شرق المتوسط. هذا بالإضافة للخلاف بين مصر وقبرص مع تركيا بشأن آبار غاز شرق المتوسط، حيث ترى تركيا أن أي تعاون إقليمي بين دول شرق المتوسط لابد أن يتم إشراك قبرص التركية فيه. وكانت مصر قد نظمت “منتدى غاز شرق المتوسط” في بداية 2019، لمناقشة آخر اكتشافات الغاز ومنطقة شرق المتوسط، وسبل التعاون حيث حضر كل من قبرص واليونان وإيطاليا وفلسطين والأردن وإسرائيل، إلا إن تركيا ولبنان تغيبوا عنه. وترى مصر أن الاتفاق على التعاون في المجال البحري بين تركيا وليبيا يعني احتمالية التواجد التركي قريباً على الحدود الغربية وأمام مياه مصر الإقليمية قد يهدد أمنها القومي بشكل خاص، ويمثل استهداف عسكري صريح لمصر ولأمن حقول الغاز المملوكة لمصر في المتوسط. لذلك تحاول مصر اجتذاب كل من روسيا وألمانيا للعب دور دبلوماسي في القضية الليبية، بالتوازي مع مساعي إنجاح مسار برلين السياسي بهدف الوصول لتسوية للأزمة.

  • الولايات المتحدة الأمريكية

لم تستقر العلاقات التركية الأمريكية منذ فترة، خاصة بعد محاولات متعددة من الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على تلك العلاقات من منظور الدولة الحامية لتركيا، والذي من الواضح أن تركيا لم تتقبله حيث أنه في نفس الوقت كانت تركيا تقوم بتوطيد علاقتها مع روسيا، وتتقرب منها سياسياً. وتعززت هذه العلاقة في الآونة الأخيرة بسبب شراء تركيا الأسلحة من روسيا، وآخرها كان تبادل تقنية الدفاع الصاروخي الروسي إس 400 مع تركيا، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تُحجم زيادة التسليح التركي، لذلك في الأشهر الأخيرة تم منع تسليم الطائرات الأمريكية المقاتلة لتركيا وتوقيع مشروع قانون دفاعي يضع عقوبات ضد تركيا. الجدير بالذكر إن تركيا تعلم أهميتها في حلف الناتو، خاصة وإن لديها أكبر جيش دائم في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة. وكان الناتو في الفترة الماضية يحاول الحفاظ على علاقته مع تركيا لضمان عدم اجتذاب روسيا لها، وظهر ذلك من خلال استقبال الرئيس ترامب في نوفمبر 2019 الرئيس التركي في البيت الأبيض، ووصفه بالصديق الجيد. كما تختلف مصالحهما الجيوسياسية. وفي الشهور الأخيرة من 2019، زاد توتر العلاقات الأمريكية التركية خاصة بعد تهديد الرئيس التركي بطرد القوات الأمريكية من قاعدتين عسكريتين لحزب الناتو في تركيا في حال نفذت واشنطن عقوبات جديدة على حكومته. ويأتي ذلك على هامش شراء تركيا لنظام دفاع جوي روسي (السابق ذكره). بالإضافة إلى منح تركيا لروسيا حق شحن الغاز الطبيعي إلى أوروبا، مما يعود بالضرر على المصالح الاقتصادية الأمريكية بشكل مباشر. وهذا التقارب في الطاقة، تم تعزيزه من خلال خط الأنابيب المعروف بـ “خط ستريم”، والذي يمتد من ساحل البحر الأسود الروسي إلى تركيا ومساراته المستقبلية في مد جنوب أوروبا. 

4. تحالفات ودول مؤيدة للتحركات العسكرية والجيوسياسية التركية

  • قمة كوالالمبور الإسلامية المصغرة

انعقاد قمة كوالالمبور الإسلامية المصغرة لمدة ثلاثة أيام، في العاصمة الماليزية بدءاً من الـ 18 ديسمبر 2019، يوضح بشكل صريح الصراع حول قيادة العالم الإسلامي. وحضر القمة كل من زعماء تركيا وإيران وقطر وماليزيا، إلا إن باكستان والمملكة العربية السعودية وإندونيسيا اعتذروا عن القمة. وكان اعتذار المملكة رسمي ومُسبب وينص على كون ساحة وسياق القمة غير مناسبين للتطرق لقضايا تخص مسلمي العالم، في إشارة إن منظمة التعاون الإسلامي هي الساحة المناسبة لعقد القمم ذات الأهداف المشابهة. على هامش هذه الحالة من التوتر في العلاقات بين كل من تركيا والدول العربية، برز الخلاف الدبلوماسي بين الدول التي التزمت بالحضور والمملكة العربية السعودية حيث قام الرئيس التركي خلال ختام القمة بالإعلان أن المملكة قامت بالضغط على باكستان وتهديدها بسحب الودائع السعودية، وترحيل العاملين بالمملكة، وذلك بهدف حثها على عدم حضور تلك القمة. حيث اعتذر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على حضور القمة قبل انعقاد القمة المصغرة بيوم واحد، إلا إن المملكة جاء ردها القوي وغير المباشر بشكل دبلوماسي بعد استقبلها في الشهر ذاته (في الـ 24 من ديسمبر) لرئيس الجمعية الوطنية الباكستانية (الغرفة الصغرى للبرلمان الباكستاني) في مشهد يعكس مدى حرصها على توطيد العلاقات مع حلفاءها من الدول الإسلامية. 

  • روسيا

دبلوماسياً، اعتمدت روسيا على سياسية التنديد فيما يخص تجاوزات تركيا. إلا إن الخطوات العسكرية التركية أدت إلى اعتماد بعض الدول (مثل مصر) على طلب المساندة الدبلوماسية الروسية مما عزز من دورها كوسيط في منطقة الشرق الأوسط لتهدئه الوضع وتفادي الصدام العسكري التركي. ويتضح الدور الروسي غير المعلن، والذي تلعبه روسيا لمساندة تركيا حيث تعتبر روسيا الشريك الدولي الأهم في 2019 لتركيا. تم تعزيز العلاقات الروسية التركية من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية (خاصة المتعلقة بالطاقة)، وتبادل الأسلحة والتي كان أخرها من خلال إتمام الصفقة الأهم في 2019 والتي تم تهديد أمريكا لتركيا بتعريضها للغرامات في حال حصولها عليها من روسيا، وهي صواريخ إس 400 الاستراتيجية التي اشترتها تركيا في يوليو 2019. وكانت إحدى الشركات الأمنية الروسية تُعرف إعلامياً باسم “فاغنر” أو “ميليشيا فاغنر” حيث تلعب دور غير معلن عنه في دعم قوات الوفاق الليبية. ويُشبه دور هذه القوات في ليبيا ذلك الدور الذي لعبته أيضا في سوريا منذ 2013 بموجب عقد مع وزارة الدفاع الروسية، إلا إن روسيا نفت رسمياً إي صلة بهذه الشركة.

  • إيران

تتبع إيران سياسة انتهازية للوصول لمصالحها الاستراتيجية. وعلى الرغم من التظاهر بعدم التوافق بين كل من إيران وتركيا، إلا إن الفترة الحالية تشهد تقارب بين الدولتين خاصة على مستوى السياسة الدولية والمساعي الجيوسياسية، ذلك مع وجود تشابه في الوضع الداخلي يتم ترجمته من خلال التوترات الداخلية والرفض الشعبي للنظام الحاكم في الدولتين. ورغم عدم توافق تركيا وإيران في كل من الساحة العراقية والسوريا، حيث شهدت العراق على منافسة بين تركيا وإيران، ووطدت إيران هذا التنافس من خلال توطيدها لعلاقتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني في الوقت الذي أغلقت فيه تركيا مكتبهم في أنقرة في 2017. كما شهد النظام السوري مساندة إيران منذ اندلاع الثورة عليه، حيث اعتبرت إيران سوريا موطن للشيعة في الشرق الأوسط، لذلك عززت علاقتها مع حزب الله في لبنان وبشار الأسد في سوريا، بهدف الاستفادة من الأخير كقناة لإيصال الأسلحة وتدريب وكلائها. وكان هذا الموقف مغايراً تماماً للموقف التركي من النظام السوري في بادئ الأمر، حيث تم قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بل وعُرفت تركيا بمركز الجماعات الإسلامية المعارضة للنظام السوري. إلا إن الفترة الراهنة من المتوقع أن تقوم إيران بمساندة تركيا للوصول لبعض مصالحها بهدف التقارب العسكري بينهما، والوقوف أمام الضغط الدولي عليهم من خلال فرض العقوبات. وعزز هذا التوقع اجتماع أردوغان في سبتمبر الماضي بنظيره الإيراني حسن روحاني وفلاديمير بوتين الروسي الذي تم التصريح فيه عن التوافق بين الثلاث دول حول الملف السوري.

  • قطر

في إطار مقاطعة العرب لقطر، قامت الأخيرة بتعزيز علاقتها بتركيا وحيث زاد الاستثمار القطري في تركيا وأعلنت قطر في ديسمبر الحالي عن زيادة استثماراتها في تركيا في الفترة المقبلة، خاصة في القطاع المصرفي والعقاري. تدعم قطر التدخلات التركية بصفتها الشريك الوحيد لتركيا في المنطقة.

5. سيناريوهات ما قبل (كوفيد-19) في 2020

وعليه، في نهاية 2019، اقتصرت السيناريوهات المتوقعة في حال تثبيت الوضع الدولي سياسياً على ما هو عليه في ديسمبر 2019، لتتمحور السيناريوهات بإيجاز شديد وفقط في حال دخول قوات تركية حول الآتي:

  • السيناريو الأول (صراع عربي-تركي)
نبذة عن السيناريو: تشكيل تحالف جديد بتكون من تركيا وإيران وقطر مع إمكانية انضمام بعض الدول، وذلك تحت حماية روسية ليبدأ التحالف بالضغط على الدول العربية، من خلال زيادة دعم الجماعات المسلحة في المنطقة وخاصة في ليبيا، وبالتوازي زيادة توتر المنطقة من خلال حث الحوثيين على ضرب بعض النقاط ذات الأهمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، علماً أن المملكة هي الحامي الاقتصادي صاحب الورقة الأكثر ضغطاً (النفط) في المنطقة.
وكان من المتوقع أن ينتج عن ذلك: زيادة وتيرة الحرب في ليبيا ومن ثم الخسائر البشرية، وذلك من خلال دعم تركيا (والتحالف) للحكومة والجيش في مواجهة الجيش الليبي الوطني بقيادة المشير حفتر. قد يهدد السيناريو الأمن المصري بشكل مباشر في حالة عدم سيطرة جيش المشير حفتر على الأوضاع، كما يهدد الاقتصاد السعودي، ويؤدي إلى مواجهة وحرب صريحة بدون وكلاء في ليبيا بقيادة مصر، مع حرص مصر وحلفاءها على عدم تخطي الحرب للحدود الليبية.
أبعاد هذا السيناريو: قد يؤدي هذا السيناريو إلى صعود دور مصر الجيوسياسي مرة أخرى في المنطقة العربية ومنطقة شرق المتوسط وذلك في حالة سيطرتها على الوضع في ليبيا. وهو الرأي المرجح في هذا السيناريو نتيجة تاريخ تركيا في كل من ليبيا واليمن. 
  • السيناريو الثاني (صراع شرق أوسطي-تركي)
نبذة عن السيناريو: اختيار تركيا بمساعدة إحدى الدول الحليفة لها مثل قطر أو إيران أو روسيا حل التدخل العسكري المباشر في إحدى دول الصراع بالمنطقة (قد تكون ليبيا) لتقارب المصالح بها، مما قد يؤدي إلى حرب واضحة في المنطقة، بهدف فرض التواجد التركي القطري في منطقة شرق المتوسط (وتهديد كل من فرنسا، وإيطاليا وقبرص واليونان ومصر). 
وكان من المتوقع أن ينتج عن ذلك: تدخل كل من قبرص واليونان ومصر في الحرب بمساعدة فرنسا واحتمالية انضمام إيطاليا وذلك بعد تهديد تركيا لمشروع خط أنابيب EastMed الذي كان منوط له أن يضمن الاكتفاء الذاتي من الطاقة لأوروبا. ويصبح الخطر في ذروته إذا تعرض الحوثيين في نفس الوقت بهجمات على النفط السعودي.
أبعاد هذا السيناريو: اندلاع حرب في المنطقة وتهديد الأمن الملاحي والنفطي في منطقتي البحر الأحمر والمتوسط وتعريض مصر والسعودية لخطر أمني لم يشهداه من قبل.
  • السيناريو الثالث (صراع دولي غير مسلح)
نبذة عن السيناريو: قد يقوم حلف الناتو بتهديد تركيا بالانفصال عنه في حال دخولها لحرب اليمن وتطبيق بعض غرامات الاقتصادية عليها من جانب. وكذلك من المحتمل في هذا السيناريو أن تقوم الدول العربية بقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مثلما فعلت مع قطر.
وقد ينتج عن ذلك: تراجع تركيا عن قرارها بشكل مباشر.
أبعاد هذا السيناريو: توطيد علاقة تركيا بقطر وروسيا وتشكيل تحالف عسكري. أو التكتل الدولي غير الرسمي لدعم المعارضة التركية الداخلية والتخلص من نظام أردوغان خاصة إنه في الوقت الحالي بدأت تظهر دعوات تطالب بعقد انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة بهدف تغيير النظام للتخلص من النظام الحالي.

ومع تفاقم جائحة كوفيد-19 فقد كان الوباء بمثابة الورقة التي غيرت في موازين العلاقات الدولية عالمياً، مع إضافة مزيد من تذبذب الأمن العام دولياً. إلا إن هذا الوقت الذي يتسم بعد الاستقرار العالمي أيضا قد وضعنا أمام سيناريوهات جديدة عن تلك التي كانت مطروحة حتى يناير الماضي، وتغير في موازين اللعبة بشكل عام. ويمكن من المشهد الحالي استنباط الدور الإقليمي العربي الذي تلعبه مصر في هذا الملف، مثلما كان من الجلي ملاحظة الدور الذي لعبته المملكة العربية السعودية منذ أيام في الملف اليمني من خلال تنظيمها بمؤتمر المانحين لليمن، في مشهد يجعل من مصر والسعودية شريكتان في تأمين المنطقة في ظل الأزمة الحالية ضد أي خطوات تركية عسكرية حفاظاً على الأمن القومي أولاً لكافة دول الحوار الإقليمي، وأمن كافة مصادر الطاقة في المنطقة.

Ohoud Wafi

Ohoud holds a bachelor’s degree in Political Science from Cairo University as well as a master’s degree in Comparative Politics specialized in the Arab World from Saint Joseph University in Beirut. She started her career in civil society and R&D in Egypt in 2012. Currently, Wafi is a PhD candidate at University of Diderot Paris in Anthropology and she works as Senior Political Analyst for Synerjies. Wafi has worked for several organizations, such as Nahdet El Mahrousa, Misr el Kheir Foundation, the AUC and Handicap International-Egypt. She has experience in implementing different projects relating to R&D, innovation, education, health and the preservation of arts and culture. Wafi is currently focusing in her researches on the Arab/MENA region from a Political Anthropology lens.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

About Synerjies

Synerjies Center for International & Strategic Studies is a trailblazing corporate think tank in the Middle East & Africa region, uniquely blending private initiative for public good. We specialize in guiding decision-makers across governments, international bodies, and corporations through the complexities of today’s rapidly evolving geopolitical and economic landscapes.

Follow Us
AVANTAGEHeadquarters
Organically grow the holistic world view of disruptive innovation via empowerment.
OUR LOCATIONSWhere to find us?
https://synerjies.com/wp-content/uploads/2019/04/img-footer-map.png
GET IN TOUCHAvantage Social links
Taking seamless key performance indicators offline to maximise the long tail.

Copyright by Synerjies. All rights reserved.