مما لا شك فيه أن العالم الحديث اليوم لا يعاني على الإطلاق من فقر المعلومات. وبينما كانت المعلومات في الماضي شحيحة وصعبة المنال، يسرت وسائل الاتصالات الحديثة توافر المعلومات اليوم بسرعة وصارت في متناول الأيدي. وأدى هذا التطور إلى ظهور العديد من القضايا الجديدة التي يؤثر الكثير منها على جذور المجتمعات، كما ساعد على ظهور مشاكل مجتمعية قديمة كانت مقموعة لفترة طويلة. على الرغم من أن هذا المقال يتحدث عن ظاهرة عالمية، إلا أن التركيز فيه على حالة انتشار المعلومات في مصر في محاولة لإظهار كيف يمكن أن يؤثر التضليل والأخبار المزيفة على الدولة والشعب.
بعض التوضيحات الرئيسية أولاً:
- الـ (Misinformation) أو التضليل الغير متعمد هي المعلومات الخاطئة والتي يتم نشرها دون قصد إيذاء.
- الـ (Disinformation) أو التضليل المتعمد هي معلومات كاذبة أو صحيحة لكن في غير محلها يتم نشرها عمداً للخداع وقد يترجم المصطلح للـ “تضليل” على سبيل الاختصار.
- تأكيد التحيز (Confirmation Bias) هو معالجة المعلومات وتحليلها بطريقة تدعم أفكار ومعتقدات المتلقي الموجودة من قبل، هو أكبر عامل مُمَكن لظاهرة الـ (disinformation).
- الـ (Propaganda) هي حملات تهدف إلى جعل المتلقي يصدق معلومة أو وجهة نظر ما سواء إيجابيًا أو سلبيًا وعادة ما تقوده الدول أو المؤسسات.
- الـ (Fake News) هي قصص كاذبة تظهر على هيئة أخبار وتنتشر على الإنترنت أو غيرها من وسائل الإعلام، وعادة ما تؤثر على الآراء السياسية أو على سبيل المزاح. اشتهر هذا المصطلح مع استخدام الرئيس الأمريكي ترامب المفرط له لتشويه سمعة الصحفيين الذين لا يوافقهم الرأي.
هذا التكتيك ليس جديداً، فالتضليل (disinformation) أو dezinformatsiya كما أسماها جوزيف ستالين، هو في الواقع اسم قسم عمليات سوداء في الـ (KGB) ويعمل منذ عام 1923. تكمن فعالية تكتيك الـ (disinformation) الإعلامي من جهتين: أولاً أن المعلومة المستخدمة قد تكون في الواقع صحيحة ولكن يتم إساءة توجيهها عن قصد، وأبسط الأمثلة هي صورة لإعصار يحدث في بلدٍ ما ولكن الصور تدعي أنه يحدث في بلد آخر أو على وشك الوصول لبلد ثالث، وثانياً أن الهدف من التكتيك هو في الواقع ليس إقناع المتلقي بمعلومة ما، وإنما إرباكه لكي لا يصدق أي معلومة على الإطلاق، وإجباره على التشكيك في كل شيء مهما كان مصدر المعلومة.
من بين أبرز الأمثلة لحملات الـ (disinformation) هي انتخابات الولايات المتحدة لعام 2016 وحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام ذاته، بالإضافة إلى الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، حيث كانت الرواية في البداية هي فقط تواجد مجموعة من الروس في عطلة ثم صارت تواجد قوات المقاومة الأوكرانية ثم أن الولايات المتحدة ترعى انتفاضة الجماعات الاحتجاجية، كل هذا قبل التمكن من إقناع الرأي العام بوجود عساكر روس على أرض القرم بالفعل وهو ما لا يصدقه عقل اننا في القرن الواحد وعشرين نحتاج الى إقناع الناس بتعدي دولة عظمى على سيادة دولة اوروبية.
مع التطورات التكنولوجية الهائلة أصبح تكتيك الـ (disinformation) أكثر فعالية. وأعطت وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثات الفورية منصة لانتشار الـ disinformation ومَكنَتها من أن تكون أكثر دقة وفعالية في استهدافها للمتلقي. بالإضافة إلى ذلك، أصابتنا القوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي بفكرة الاقتناع بأننا لن نُخدَع ولن نقع فريسة للتضليل وأن المغفلين وغير الواعين فقط هم الذين يقعون في شباك التضليل وهو أمر عارٍ تماماً من الصحة. فأصبحت المعلومات المضللة فعالة لدرجة تمكنها من الدخول في ثغرات مجتمعنا، وتهاجم قناعاتنا وغالبًا ما تقترن بأدوات نفسية تعزز انتشار الرسالة. فيصبح التحدي هو إرغامك على إثبات الواقع بدلاً فضح زيف المعلومة المضللة، وهذا تحدٍ صعب في كثير من الأحيان حيث قد يزيد من ارتباك المتلقي وبالتالي يحقق غرض الـ disinformation.
“مصر ليست مستعدة للديمقراطية” عبارة بارزة تم تداولها في مصر قبل بضع سنوات وأخذها العديد باستخفاف على أنها تعني أننا أغبياء أو غير قادرين على التعامل مع الديمقراطية. ولكن في عالمنا الحالي نرى أن تكتيك الـ disinformation في الواقع يشكل تحديًا أكبر في البلاد الحامية لحرية التعبير عن الرأي لأنه بموجب قوانين ولوائح تلك الدول لا يمكنك مقاضاة من يعبر عن رأيه او إغلاق منصاته التي يبث ارائه عن طريقها، وهذا في غاية الأهمية للحفاظ على حق الناس في الاختلاف في الآراء والحفاظ على الحوكمة وكشف الحقيقة والشفافية. ولكن التحدي يكمن في رسم الخط الفاصل بين حرية التعبير والتضليل أو نشر الأخبار الكاذبة.
للأسف في عالم اليوم، نشهد نفوراً متزايداً من الصحافة التقليدية مما أدى إلى انخفاض التمويل المتاح للصحفيين وخاصة للصحفيين الاستقصائيين، والذين يستمرون بطبيعة عملهم لفترات طويلة قد تصل لسنوات في تتبع قصة واحدة للتأكد من صحة الحقائق والمصادر ورسم الصورة كاملة. الصحافة الاستقصائية وهي بمثابة القوات الخاصة للصحافة هي التي أدت إلى كشف فضيحة ووترغيت الأمريكية مع الرئيس نيكسون وفضيحة إيران كونترا، وأدت إلى وضع حد للكثير من قضايا الفساد وإساءة استخدام السلطة حول العالم. ولكن مع اقتران صعود منصات التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن مع انخفاض التمويل والدعم المتاح للصحافة، يظهر تغيير في الأولويات والحوافز. ففي الماضي، كان النشر يتطلب أن يمر المقال أو الخبر بعملية تحقق وتأكد من مصداقية المصادر وصحة المستندات ودقة الوصف واللغة المستخدمة. اليوم لا يتطلب النشر سوى بضع نقرات وأن يكون جاذب للأنظار و”قابل للنقر” او مثيراً للجدل وهو مصطلح نسمعه بوفرة اليوم.
ان ظهور عالم مليء بالتحديات النفسية أجبر الاجيال الحالية، على الرغم من توافر المصادر والمعلومات، أن تكون أكثر تطرفاً فيما يتعلق بالآراء ومحاربة القيود والتعصب الاجتماعي، وهو أمر مطلوب في بعض الأحيان لتطور المجتمعات، ومع ذلك فقد مهد الطريق دون قصد لمنتج آخر وهو الحاجة إلى الظهور والقبول والحصول على “الإعجاب” و”المتابعة”، وظهور عالم موازي من المؤثرين (influencers) والإعجابات والمشاركات والآراء التي تسترعي انتباهنا، حتى صار هذا إلى حدٍ كبيرة مقياس للنجاح. وقد أجبر هذا الكثيرين على المشاركة في “سباق النقر”، من وكالات الأنباء إلى شركات التسويق إلى الأفراد، فالهدف هو الحصول على أكبر قدر من التفاعل، بغض النظر عن مكنون المحتوى نفسه.
في مصر بعد عام 2011 نسبت الثورة إلى حد كبير إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وشهدنا عددًا متزايدًا من الأجيال الأكبر سناً تتجه لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات مثل واتس آب، وكانت هذه طريقتهم في إثبات وجودهم وفهم كيف تحولت مساحة اجتماعية ومنصة تعارف لمجموعات من الشباب إلى أداة ساعدت في الإطاحة بأحد أقوى الأنظمة في العالم العربي. في مصر، بلغ عدد مستخدمي فايسبوك في عام 2011 من مصر 4.7 مليون مستخدم، وفي عام 2019 تجاوز عدد المستخدمين 37 مليون مستخدم. ومن خلال هذه المنصة تحولنا جميعًا إلى ناشرين ولكن بدون تكبد عناء مرحلة التحقق من الحقائق والتي يجب على الصحفيين والمراسلين اجتيازها، وبدلاً من وجود محررين ومراجعين من ذوي الخبرة لمراجعة المحتوى، أخذت منصات وسائل التواصل الاجتماعي دور المحرر باستخدام البرمجة وبيانات التحليلات (data analytics) لدفع المزيد من المحتوى للمتلقي المستهدف مما يؤدي للمزيد من تطرف المجتمعات والمساهمة بشكل مباشر في صعود وانتشار الكراهية والقومية في العديد من الدول.
رغم ان التحيز الإعلامي ليس ظاهرة جديدة، سواء من وسائل الإعلام الرسمية التي ترعاها الدول أو وسائل إعلام القطاع الخاص والمؤسسية، كان هناك دائمًا شعور بالتحيز واضح من منفذ إلى آخر. ليس من الصعب مثلاً ملاحظة أن الـ CNN أو MSNBC منحازين ضد إدارة ترامب بينما يوجد تحيز كبير في صف الرئيس وإدارته من Fox News. هذا لا يعني أن جميع وسائل الإعلام فاسدة ومتحيزة، ولكنه يدل على شدة الانقسام في بعض المجتمعات وكيفية انعكاس ذلك على وسائل الإعلام.
تزداد الأزمة تعقيداً عندما نحاول مكافحة الـ disinformation حيث ينتهي بنا الأمر أحياناً كثيرة إلى التحول إلى بث المعلومات المضللة او الـ misinformation أو حتى إلى disinformation لإثبات وجهات نظرنا. في 7 يونيو 2019 نشرت الـ Foreign Policy مقال بقلم ي.ح بعنوان “الاقتصاد المصري ليس مزدهرًا، إنه ينهار” يتحدث كما يظهر في العنوان على انهيار الاقتصاد المصري. بالنسبة لأي شخص ينتقد المقال، كان الأمر برمته خادعاً بداية من تحيز الكاتب الصارخ وحتى الـ disinformation المتفشي في محتوى المقال. ولكن سرعان من انتشر المقال على وسائل التواصل الاجتماعي وكان مصدر قلق لكثير من الناس وتأكيدًا على مخاوف أو معتقدات الآخرين والذين استسلموا لتأكيد التحيز (confirmation bias) دون بذل الجهد الواجب لنقد المحتوى الذي قدمه الكاتب. وفي الواقع كيف يمكننا ضمان ذلك؟ يكاد يكون من المستحيل القيام بالتدقيق والفحص والعناية الواجبة المناسبة للمادة المستهلكة على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت في العموم بسبب التدفق المتسارع للمعلومات. تبع هذا المقال بعدة أيام مقال آخر كتبه أ.ش.ا وهو مدير الأبحاث في احدى المجموعات المالية في 26 يونيو 2019 بعنوان “الاقتصاد المصري لا يتهاوى، إنه يزدهر” مدعياً أن مستويات الديون في مصر لا تزال تحت السيطرة وأن مليارات الدولارات المستثمرة في مصر تظهر ثقة المستثمرين، ولكنه يفشل في ذكر أن جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات هو في الواقع استثمارات في الديون على المدى القصير، وخدم المقال تأكيد التحيز للجانب الآخر. والحقيقة هي أن الاقتصاد المصري لا هو ينهار ولا هو في أزهى عصوره، ولكن آثر الكاتبان التطرف لإثبات وجهتي نظرهما أولاً، وفي الأغلب أيضاً، حتى وإن كان عن غير قصد، لعلمهم أن هذا التطرف سيجعل المقال أكثر انتشاراً ويزيد من التفاعل حوله مع العلم أنه سيستخدم كأداة تأكيد التحيز لقطاع من القراء. نشرت Foreign Policy كلا المقالين، وأشاد الجمهور بالكاتبين كلٌ في مجموعته التي تشاركه الآراء والقناعات ذاتها بغض النظر عن محتوى المقال، تاركين قلة تنتقد وتتحقق ثم تُحمَل بالإرهاق من مناقشات لا نهائية لإثبات الحقيقة، وإقناع الآخرين أن الحقيقة غير مضطرة لأن تكون متطرفة أو لأن تنصاع لتأكيد نظرية أو وجهة نظر معينة. في السنوات الأخيرة، باشرت مصر في خطة إصلاح اقتصادي جادة للغاية، راهن على فشلها الكثيرون، ومع ذلك نجحت البلاد بكل صدق في جعلها مثالاً ناجحًا للعديد من الإصلاحات الاقتصادية في العصر الحديث مع الاعتراف بوجود العيوب والآثار السلبية التي تستحق بل تستوجب النقد والمناقشة والشفافية.
في عالمنا سريع الخطى، أصبح الاستهلاك السريع لكم هائل من الأخبار والمعلومات أمراً مربكًا يؤدي أحياناً إلى الإرهاق ثم الاستسلام لفكرة أن الوصول للحقائق أمر مستحيل، وهي في الواقع فكرة تزداد صحتها يوماً عن يوم مع اختلاط الحقائق بالأخبار الكاذبة (fake news) ونظريات المؤامرة. ومن ثم يستوجب علينا التساؤل، لماذا نرى تزايداً في نظريات المؤامرة؟ هل بسبب انعدام الثقة المؤسسية على صعيد دولي؟ أو ربما بسبب كمية الأخبار الغير صحيحة والمتحيزة التي تتداولها وسائل الإعلام؟ أم أنها ببساطة لأن نظريات المؤامرة في الكثير من الأحيان أكثر إثارة وإمتاعاً وإرضاءً لتفضيلنا للتطرف الفكري؟ في رأيي أن تنافس الحقيقة مع التضليل (disinformation) هي مثل تنافس الخضراوات مع الوجبات السريعة، نعلم أن الأولى هي الأفضل والأفيد بل وأن الأخير مضرة، ومع ذلك قد لا نستطيع مقاومة تلك الأخيرة، بل وقد يجادل البعض أننا ببساطة لا نملك الشهية للحقيقة. وجدت دراسة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في عام 2018، أن المنشورات التي تم تصنيفها على أنها أخبار كاذبة كانت قابلة للنقر خمس مرات اكثر عن المنشورات العادية، وهذا تحديداً هو المبدأ الذي تعمل به مَجلّات الشائعات، المتلقي يدرك أن المعلومة على الأرجح ليس صحيحة أو على الأقل ليست دقيقة ولكن يستمر معدل استهلاكها عالٍ.
لماذا يهم كل هذا وإلى أي مدى يؤثر علينا؟ مع التقدم التكنولوجي يزداد بشكل كبير تفاعلنا مع العالم الرقمي، وبالتالي طوال تواجدنا في العالم الرقمي إما نستهلك البيانات أو ننشئ البيانات. من إحداثيات GPS إلى صور وسائل التواصل الاجتماعي إلى المعاملات الرقمية، تنمو بصمتنا الرقمية يومًا بعد يوم. وهذا يمهد الطريق أمام صناعة شاملة لتحليل البيانات واستخراجها والتي بدورها تغذي التسويق والإعلان ومبيعات المنتجات من جهة، ومعها أيضًا مبيعات الأفكار والأيديولوجيات. وإن تكون بعض الأفكار إما جيدة حقاً أو “قابلة للبيع” أو تخدم غرضًا ما، فإن البعض الآخر يهدف ببساطة إلى إضافة عدم اليقين وإثارة النزاعات بين الناس والحكومة.
أحياناً نتعامل مع المعلومات الخاطئة أو المضللة على أنها شائعة غير ضارة أو مجرد بعض المعلومات غير الصحيحة كما لو أنها ستمحى من طلقاء نفسها، ولا ندرك أن حياة البعض يمكن أن تتأثر بتلك المعلومات المغلوطة، وفي بعض الحالات قد تكون مهددة للحياة. فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الاعتيادية يمكن أن تكون معيبة ومتحيزة في بعض الحالات، إلا أنها تظل مسئولة عما تنتجه وتبثه وتنشره على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت. لقد أصبح الوضع مثيراً للانقسام لدرجة أنها واحدة من الأدوات الرائدة المستخدمة في الجنيد للتطرف كما تشير العديد من الدراسات. يحدث هذا إما من خلال الحث المباشر على التطرف أو تأجيج الشعور بالسخط حتى يؤدي ذلك إلى التطرف.
في أبسط الأشكال، يمكن أن يؤثر انتشار المعلومات الخاطئة على حياة شخص حتى بدون قصد. أبسطها المعلومة الخاطئة المنتشرة في أعقاب جائحة Covid-19 التي اقترحت تحضير مطهر من خلال مزج الخل والكلور والماء وهي وصفة تؤدي إلى غاز الكلور وأبخرة الكلورامين، وهو غاز شديد السمية ويهدد الحياة. وفي مثال لأولى ظواهر الـ disinformation المتعلقة بأزمة Covid-19 كانت في 22 يناير من سبوتنيك الروسية الممولة من الدولة والتي أفادت أن الفيروس كان من صنع الإنسان عن عمد، وهو سلاح أنشأه حلف الناتو، وقد تطور هذا لاحقًا إلى أن الفيروس تم تصميمه وإطلاقه من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، وفي الواقع أدت هذه الإشاعات بطريقة أو بأخرى إلى تعزيز العداء بين الولايات المتحدة والصين بكلٍ منهما يشير إلى الآخر كالجهة التي صنعت الفيروس. معلومة كاذبة واحدة تنتشر كاللهيب وتتغير لتناسب الواقع الذي نبحث عنه أو الذي نرغب في تصديقه؛ والنتيجة هي أن العديد من الأشخاص قللوا من حجم مشكلة هذا الفيروس بما في ذلك العديد من قادة الدول في البداية مما أدى إلى معدل وفيات أعلى بكثير مما كان يمكن أن يكون.
بالعودة إلى مصر وإلقاء نظرة على حصيلة المعلومات الخاطئة (misinformation) والتي أدت إلى عبء إضافي على حكومة مثقلة بالفعل لمكافحتها، وهو أمر يتطلب تحليلًا يوميًا لأحدث المواضيع الشائعة والشائعات المنتشرة ثم تصحيحها والتعامل معها؛ كل هذا في وقتٍ نحتاج فيه جميع موارد الدولة لكوننا في حالة تأهب قصوى في مكافحة الوباء والعواقب الصحية والاقتصادية المترتبة عليه. في الوقت نفسه، حملات الـ (disinformation) تساعد على تأجيج المعارك في سيناء منذ سقوط الإخوان المسلمين في المنطقة، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح.
تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 38٪ من إجمالي محتويات الإنترنت يتم إنشاؤها بواسطة الروبوتات او البرامج او الذكاء الاصطناعي (bots).
عد لقراءة هذه الإحصائية مرة أخرى.
حوالي 38% من إجمالي محتوى الإنترنت يتم إنشاؤه بواسطة برامج وليس بشر. وواحدة من كل خمس نقرات على مواقع الإلكترونية تتم بواسطة برامج روبوت سيئة(Bad Bots) .
قد يبدو وكأن كل ما سبق يشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي منصات سلبية وأن اللوم يقع على عاتق الناس لمساعدة حملات التضليل ونشر الأخبار الكاذبة. ولكن ليس هذا هو المقصود. وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات على الإنترنت لها فائدة كبيرة في إعطاء صوت لجموع لناس سواسية وكذلك تعزيز حرية التعبير ونشر المعلومات. ومع ذلك، يحتاج المستخدمون إلى الانتباه إلى التهديدات الحقيقية للـ (disinformation) وإدراك أنه تكتيك متطور للغاية وقد يؤثر على أكثرنا وعياً، لكي يكونوا أكثر حذرًا مما يشاركونه وينشرونه وتعلم كيفية التحقق من الأخبار والمعلومات المستهلكة. لن يحدث هذا إذا لم نفتح نقاشاً عاماً وحواراً مجتمعياً حول التهديدات التي تنطوي عليها هذه الأنواع الجديدة من الحروب والمعلومات الخاطئة المقصودة أو غير المقصودة على مجتمعنا. من ناحية أخرى، يجب أن تكون الحكومات أكثر وعياً بهذه التهديدات ويجب أن تعزز من استخدام التكنولوجيا وخطط الاستجابة السريعة للتعامل مع الـ (disinformation) في أسرع وقت لتقليل الضرر. ومع ذلك من الضروري ألا تسلك الحكومات مسار تطبيق الرقابة الفكرية لأن ذلك سيغذي فقط السعي تجاه إيجاد طرق أخرى لنشر هذه المعلومات لا يمكن اكتشافها في سباق غير متناهي. ومن الجانب الآخر من الضروري أن تكسب الحكومة ثقة الناس مع عدم التسامح مع المعلومات الكاذبة حتى تلك التي ينشرها حلفاء الدولة، وذلك للحفاظ على مستوى صلب من الثقة. تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي هو ملف متزايد الأهمية عند العديد من الحكومات، ولكن الأفضل ليس تنظيم المحتوى، وإنما تنظيم توزيع المحتوى، باستخدام البيانات والبرامج التي تحلل الحسابات التي تنشر المعلومات المغلوطة وتستطيع الوصول إلى مصادر الـ disinformation. وقد يكون إنشاء هيئة أو مؤسسة للتحقق من المعلومات على المستوى الوطني خطوة جيدة بحيث يكون دورها تحليل المحتوى وأساليب انتشاره ثم نشر تقارير متاحة للعامة عن النتائج التي توصلت إليها. لذا فإن القول بأن الحقيقة ستطلق سراحك يتحقق في عصرنا الحديث، حيث ان بناء الثقة بين الحكومة والشعب أمر أساسي وإعلاء أصوات الشخصيات الموثوقة امر حتمي.