يأتي الاحتفال الدولي بيوم الأرض، في الثاني والعشرين من شهر أبريل كل عام، لتذكيرنا بأهمية بذل جهود فعالة لحماية البيئة من التهديدات التي تحيط بها، وإنقاذ الأجيال القادمة من الكوارث البيئية التي بدأت تظهر أعراضها على كوكب الأرض متأُثرة بشكل أساسي بالتغيرات المناخية الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة.
إن ارتفاع درجة حرارة الأرض ليس سوى بداية رحلة طويلة من التغيرات الكارثية، حيث أن النظام البيئي يتكون من حلقات متصلة تؤثر كل منها في الأخرى كتأثير الدومينو. فعلى سبيل المثال يشهد العالم اليوم ارتفاعاً مستمراً في مستوى سطح البحر مدفوعاً بذوبان الجليد القطبي، مما يهدد حياة المجتمعات التي تعيش في المناطق الساحلية في جميع أنحاء العالم، ويؤثر الارتفاع في درجات الحرارة بشكل سلبي على البيئة النباتية والمحاصيل الزراعية، فضلاً عن عدم قدرة العديد من السلالات الحيوانية على التكييف مع المناخ الأكثر دفئاً، فتقل أعدادها مما يحدث خللاً الأنظمة البيئية.
ولذلك، تبنت 196 دولة حول العالم اتفاق باريس لاتخاذ إجراءات مناخية تهدف بشكل أساسي الى الحد من الاحترار العالمي الى أقل من درجتين مئويتين، ويُفضل الى أقل من 1.5 درجة مئوية، عن معدلات درجات الحرارة ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2030. ويتطلب تحقيق هذا الهدف خفض الانبعاثات بنسبة 30% من أجل الحد من الاحترار الى درجتين مئويتين، وبنسبة 55% للحد من الاحترار الى 1.5 درجة مئوية.
هل تتحقق تلك الأهداف في ظل حالة التأهب الأمني التي تسطير على العالم؟
تأثير القطاع العسكري على الانبعاثات
يتم استخدام الطاقة في جميع قطاعات الإنتاجية والخدمية ويشمل ذلك القطاع العسكري الذي يعتبر مسئولاً عما يمكن أن يصل الى 6% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم طبقاً لمنظمة علماء من أجل المسئولية العالمية (Scientists for Global Responsibility)، تنقسم الى 5% ناتجة عن صناعة الأسلحة وبناء المنشآت العسكرية والتدريبات العسكرية والنقل والشحن في هذا القطاع، و1% ناتجة عن عواقب الحروب والنزاعات المسلحة مثل الحرائق والانفجارات والإجراءات الصحية للناجين وعمليات إعادة إنشاء ما خربته الحروب.
وعلى الرغم من ضخامة مساهمة القطاع العسكري في الانبعاثات الكربونية، إلا أن هذه الأرقام تقديرية، حيث لا تصدر الدول بيانات رسمية حول البصمة الكربونية لنشاطها العسكري. وبينما أسفرت مفاوضات اتفاقية باريس للمناخ عن التزام الدول بالحد من انبعاثاتها والإفصاح عنها، لم يخضع القطاع العسكري تحديداً لهذا الالتزام بل تُرك الأمر كقرار تطوعي لكل دولة على حدة. وبطبيعة الحال يتلحف هذا القطاع بقدر كبير من السرية وعدم الشفافية، خاصة في بعض الدول ذات الانفاق العسكري الضخم والاعتماد الأكبر على الوقود الحفري كمصدر للطاقة.
ويعتبر التأثير البيئي للأنشطة العسكرية حاد للغاية على الرغم من محدودية نطاق العمليات العسكرية. في المقابل نجد أنه مع اتساع نطاق الأنشطة غير العسكرية أو المدنية إلا أنها ليست حادة في ذاتها ولكن تكمن خطورة آثارها البيئية في كونها مُوزعة على عدد كبير من القطاعات والأنشطة ومستمرة عبر فترة طويلة من الزمن. فمثلاً بالنظر الى قطاع الطيران، تُحلق الطائرات العسكرية على ارتفاعات أعلى من الطائرات المدنية، مما يسبب، إلى جانب الانبعاثات الكربونية عن الوقود، تأثيرات حرارية في الطبقات العليا للغلاف الجوي.
التأثير البيئي للحروب
تشير التقديرات الى أن 1% الى 6% من سطح الأرض تعتبر أراضي عسكرية، وفى الكثير من الأحيان تكون غنية بالتنوع البيولوجي الذي يكون معرضاً للضرر نتيجة الانبعاثات والضوضاء والتغيرات الكيميائية في التربة التي تسببها نشاطات التدريبات العسكرية في هذه المناطق. ناهيك عن الحروب والنزاعات المسلحة التي تحدث في العالم، والتي بالإضافة الى آثارها الكارثية على البشر، لها تبعات بيئية خطيرة على التربة والمجاري المائية والزراعة في تلك المناطق.
في الوقت الذي أصبح التدخل فيه عاجلاً وطارئاً للعمل من أجل المناخ والبيئة، تتجدد النزاعات والحروب لتزيد من صعوبة هذه المهمة. نشهد حالياً الحرب الروسية في أوكرانيا والتي تشكل تبعاتها البيئية تهديداً على الأراضي الأوكرانية التي تمثل حوالي 6% من مساحة قارة أوروبا ومع ذلك تتمتع بحوالي 35% من التنوع النباتي للقارة. يهدد التدخل العسكري هذا التنوع ويشكل خطراً على الغابات التي تحتل حوالي 16% من مساحة الدولة، حيث يُزيد خطر الانفجارات من احتمالية تعرض هذه الغابات للحرائق.
ويبدو الوضع في سوريا أكثر سوءاً، حيث تتدهور الأوضاع البيئية تزامناً مع الحرب المستمرة هناك منذ أكثر من 10 سنوات. فقد أدت النزاعات الدائرة الى تدمير أكثر من 20% من الغطاء الشجري في الأراضي السورية ما بين عامي 2012 و2019، كما قلت مساحة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة بنسبة 21% من عام 2010 الى عام 2014 نتيجة لعوامل التعرية وتصحر التربة. كما أن المحطات المؤقتة لتكرير النفط وتدمير منشآت البنية التحتية وانهيار أنظمة إدارة المخلفات وانتشار مخلفات الذخائر تؤدي جميعها الى انتشار التلوث في التربة والمجاري المائية مما ينتج عنه ضرر مباشر وخطير على الأفراد والبيئة بشكل عام.
ختاماً
إن التشريعات والاستراتيجيات البيئية تُركز على الأنشطة المدنية للحد من انبعاثاتها الكربونية وتغفل عن رصد التبعات البيئية الضارة للأنشطة العسكرية والتي قد تشكل تهديداً للحياة وللتنوع البيولوجي في بعض المناطق. وتزامناً مع احتفال العالم باليوم العالمي للأرض، التي هي موطننا الوحيد، يجب أن نبذل المزيد من الجهود الحقيقية والفعالة من أجل السيطرة على ما يهدد حياتنا عليها. ويجب ألا يتم استثناء النشاطات العسكرية والنزاعات والحروب من هذه القائمة، بل يلزم على المجتمع الدولي العمل من أجل الحد من تأثيرها الخطير على البيئة إن كان تحقيق حالة من السلام العالمي حلماُ بعيد المنال.